المؤسسة السياسية الاشورية ..جدليات الممارسة و التطبيق

المؤسسة السياسية الاشورية ..جدليات الممارسة و التطبيق
تاسست الأحزاب السياسية الاشورية في سوريا والعراق منذ منتصف القرن السابق , و قد تاثرت حيثيات تاسيسها بالأحزاب السياسية في المنطقة العربية التي تاسست قبلها و التي تاثرت هي الاخرى بالأحزاب السياسية العالمية العريقة , حيث تشابهت معها مثلا في هيكلها التنظيمي و وحدات القواعد و القيادات و حتى في شكل محاضر اجتماعاتها ,و احيانا في الاسم الذي تطلقه على منتسبيها , كما تلاقت معها في النبرة الثورية التي تسعى لتغيير الواقع و بناء الانسان و تحقيق اهداف قومية و اجتماعية و ثقافية دون الاستناد على اسس واقعها و امكاناتها الفكرية و البشرية و الاقتصادية .
إن عدم تسليط الضوء على الانجازات التي حققتها الأحزاب السياسية الاشورية في الوطن و المهجر هو الإجحاف بعينه , فبرغم امكاناتها المتواضعة , فقد تمكنت احيانا من لفت انتباه العالم للقضية الاشورية و حقوقها المشروعة في سوريا و العراق و جزء من تركيا و إيران باعتبارها الوطن الأصلي التاريخي للآشورين ,كما تمكنت من تاسيس اندية سياسية و مؤسسات اجتماعية و إغاثية و إصدار دوريات شهرية , و تأسيس بعض الوسائل الاعلامية المقروؤة و المسموعة التي لم تنضج بشكل كامل بسبب ضعف الامكانات الاقتصادية ,و ضعف الكوادر العاملة فيها و افتقارها للتخصص , كما حافظت بشكل أو بآخرعلى الهوية القومية الاشورية , و سعت و ما تزال تسعى لبذل ما باستطاعتها لفعل شيء يستحق الذكر للقضية الآشورية و مستحقاتها السياسية و القومية و الثقافية , و برغم احترامنا و تقديرنا لكل الجهود المبذولة إلا أن الوقت قد حان فعلا لإحداث تغيير جذري في مناهجها السياسية و آليات عملها و استراتيجياتها التي لا تعدو آنية تتسم غالبا بكونها ردة فعل للتغيرات و المستجدات و تندر غالبا أن تكون فعلا استباقيا . سنحاول في عجالتنا ان نستذكر معا بعض خصائص العمل السياسي الاشوري و التذكير ببعض الجوانب المهملة في برامج اعماله عسانا نتمكن معا عبر الحوار الهادئ المستنير أن ندفع من عجلة المؤسسة السياسية الاشورية للامام في وقت لا ينفع فيه سوى العمل الجماعي الجاد المبني على اسس متينة علمية راسخة و عقلانية .
نمت الاحزاب السياسية الاشورية افقيا بشكل لا يتوازى مع نموها العامودي المفترض , حيث انخفض عدد المفكرين السياسيين بشكل كبير في الاونة الأخيرة رغم ان الفكر السياسي الاشوري قبل قرن من الزمن كان متميزا بسموه و عمقه و تأثيره , وما أدبيات فريدون اتورايا و نعوم فائق و أشور خربوطلي و ماربنيامين الشهيد و آغا بطرس سوى نماذج و مدارس و مذاهب فكرية و سياسية ما زالت تؤثر على طريقة التفكيرالآشورية و طموحاتها و ممارساتها حتى يومنا هذا ,في وقت كدنا لا نرى فيه فكرا سياسيا جديدا مبدعا متطورا واقعيا , كما بقيت ادبيات أقطاب المؤسسة السياسية الاشورية نصوصا منزلة لا يجوز المساس بها , دون مراعاة التغيرات العالمية التي عصفت بالوطن و في دول الجوار , والتي ربما ستحدث تغييرات ديموغرافية و سياسية متمثلة بأقاليم و دول ربما ستتأسس برعاية غربية تنفيذا لمخططات الشرق الأوسط الجديد , غير عابئة بحقوق الشعوب الاصيلة التي لاقت الويلات و الاضطهادات في المئة و الخمسين سنة الماضية . كما أن الخطاب السياسي لمعظم الأحزاب السياسية الاشورية لا يزال يعيش مرحلة الرومانسية السياسية التي اتسم بها عصر القوميات في بدايات القرن العشرين , و ظل هذا الخطاب في كثير من الأحيان غير مدرك و غير ملتصق بالواقع السياسي و المتغيرات العالمية و التحالفات الدولية , كما وقع في أزمة قوالب معينة لم يتمكن من التحرر منها , متناسيا حقيقة أن ثلثي شعبنا الآشوري قد اصبح مهاجرا مشتتا في المغتربات , و أن الوقت قد حان للتوجه ايضا لمجتمعنا الآشوري في المهجر لتبيث اوصاله و تجميع قواه , و العمل على تحويل الهجرة من ظاهرة سلبية , إلى ظاهرة إيجابية و هو الأمر الذي يحتاج إلى عقول مستنيرة و مبدعة بعيدا عن تخوين المغتربين و التباكي عليهم طوال الوقت .
لا بد أيضا من الاشارة إلى اهمال معظم أحزابنا السياسية لحقيقة لا مناص منها و هي أن السياسة تحتاج لقوة اقتصادية محركة , حيث لم تتمكن احزابنا السياسية غالبا من إيجاد موارد ثابتة لتقوية اقتصاداتها الذاتية لتضمن استقلالية قراراتها , و تؤسس شخصيتها المستقلة بعيدا عن توجهات الجهات المانحة التي تدعمها إن وجدت , حيث تشكل القوة الاقتصادية لأي حزب سياسي ملامح الكاريزما السياسية للحزب , كما تساهم في خلق نواة لمؤسسات اعلامية تنشر فكرها و مؤسسات اجتماعية و تربوية تحقق توجهاتها , كما تساهم في خلق مجتمعات انتاجية تعتمد على نفسها .
كذلك تناست الأحزاب السياسية الاشورية في أدبياتها مهمة التبشير القومي ,فتقوقعت على نفسها ونشرت افكارها بين اتباع الطوائف الدينية الاشورية مع اشارات خجولة غير مدعومة بالحقائق التاريخية و العلمية لأصول غالبية ابناء الوطن , مقصرة في التواصل مع الاشوريين الذائبين في بوتقة القوميات الأخرى مع بعض المحاولات الفردية هنا و هناك في التواصل معهم على مستوى الأشخاص فقط , في وقت بذلت فيه الأموال الطائلة في إقامة المؤتمرات القومية في الوطن و المغتربات , والتي نجحت احيانا و اخقت أحيانا اخرى , و كان الأجدر بالمؤسسة السياسية الاشورية أن تخصص جزءا من امكاناتها الفكرية و المالية في مهمة التبشير القومي من خلال إقامة المنتديات الثقافية الشعبية لكشف الغطاء عن الحقائق التاريخية التي ظلت غائبة قرونا , والقاء المحاضرات التاريخية و نشر الكتب التوعوية و إقامة البرامج التلفزيونية للآشوريين الذين تم تذويبهم و صهرهم في بوتقات قومية و دينية جديدة شكلت مع مرور الزمن هويات جديدة لهم , تنافرت احيانا مع الذات الاشورية فرفضت ابناء جلتدهم و كفرتهم احيانا واعتبرتهم في احيان اخرى غرباءا في اوطانهم .
إن التبشير القومي واجب مفروض على كل الكفاءات التاريخية والسياسية الاشورية و سيحقق العمل به قفزة نوعية في العمل السياسي الاشوري , و هو أولوية يجب ان تنال ما تستحقه في أجندات المؤسسة السياسية الاشورية مستقبلا . من النقاط المهمة الأخرى التي يجب الاشارة إليها أن آليات العمل الحزبي و بقاء مناهجه دون تجديد حقيقي أفرز ظاهرة سيطرة شعور انتماء الفرد لحزبه بشكل اقوى من انتماءه لأمته الجامعة , و هذا يشكل طفرة في الجين الوراثي السياسي لنمطية التفكير الآشوري , و من حسن الحظ أن هذه الظاهرة لم يستفحل انتشارها حتى وقتنا هذا و غالبا ما تكون مرتبطة بمنافع اقتصادية و اجتماعية بحتة و تزول بزوال تلك المكتسبات الآنية .
اما فيما يتعلق باستراتيجيات العمل القومي , فنرى غياب رؤية واضحة جديدة لآلياته و ماهيته , و بقاء العمل محصورا بقرارات تتبع هيكلا تنظيميا محددا , دون نشر ثقافة المبادرات الخلاقة في العمل , حيث يركد الكثير من اعضاء الأحزاب الآشورية بانتظار تكليفهم باعمال يعتقدون أنها الشكل الوحيد لعملهم ضمن احزابهم السياسية , و هذا خطأ كبير لا زال يتكرر كل يوم , وعلى أدبيات الأحزاب السياسية الآشورية مستقبلا ان تلفت انتباه اعضائها و خاصة كوادر القواعد إلى أن العمل القومي هو ممارسة يومية تنطلق من الايمان المطلق بضرورة عمل كل ما بوسع الفرد لأجل خدمة الأمة الآشورية و قضيتها العادلة, وإن عدم مقدرة العضو على خوض غمار العمل السياسي ليس نهاية العالم , فليس بالسياسة وحدها تحيا الامة ,فهناك الكثير من الأعمال في مختلف النواحي الاجتماعية و الثقافية و الاعلامية و الاغاثية التي على الاحزاب السياسية ان تهتم بها بشكل أفضل من خلال اعداد كوادر تخصصية لتحقيق التناغم في ايقاع عملها و دفع عجلتها الى الأمام . و فيما يتعلق بطروحات المؤسسة السياسية الاشورية و مطالبها العامة, فهي في الاطار العام محقة و مشروعة , رغم اهمال ذكر سبل تحقيقها اعتمادا على العلوم السياسية و الاجتماعية , و على الادبيات السياسية الاشورية تجنب الطروحات الانتفاعية التي تداعب الطموح الاشوري العام ولا تحقق سوى المنافع الشخصية المادية و الاعلامية , و الابتعاد عن الطروحات الخيالية الغير مستندة للواقع الديموغرافي و الامكانات الحقيقة للآشوريين في الوقت الراهن , الأمر الذي يؤدي إلى حالة من الاحباط السياسي , و الاستسلام للقضاء و القدر , والاقتناع بأن الاشوريين قد اصبحوا ريشة في مهب الريح لا حول و لا قوة لها , فتبدأ بالظهور ملامح الحزن و التشاؤم في وقت نحن بأمس ما نكون فيه للغضب و التفاؤل , و على الجميع أن يدرك أن تحقيق الحلم يبدأ بفكرة يدعمها الايمان المطلق بها و العمل الجاد الملتزم الصادق لتنفيذها .
هنا لا بد من الوقوف امام مرآة الحقيقة لنتمكن من ادراك ذاتنا و إمكاناتنا سعيا لتشجيع المجتهدين و تطويرا للمؤسسات الناجحة التي احدثت تغييرا و إن كان غير المرجو منه , كما علينا انتقاد انفسنا و مؤسساتنا نقدا ذاتيا يكون هدفه تقويم الأعمال و تطوير الفكر السياسي بما يتناسب و متطلبات المرحلة الحالية و سعيا لإحداث الفروقات الايجابية المرجوة , و علينا أن نتذكر دائما أن التقصير في تحقيق التغيير الجذري في مناهج اقطاب المؤسسة السياسية الاشورية , و في آليات عملها و عدم رفدها بالدماء و الافكار الجديدة هو الطريق السريع لانتحارها سياسيا . ختاما …يتوجب على الجميع أن يتحلى بالمسؤولية الأخلاقية الكاملة -أفرادا و مؤسسات – تجاه الواقع الاشوري الحالي بكل مشاكله و همومه في ظل الشتات الذي الحقته به تلك الزوابع الرهيبة التي ألمت به بدءا من منتصف القرن التاسع عشر و حتى يومنا هذا ,و كما يتوجب علينا أن لا نختبئ خلف اصبعنا فسقوط ورقة التوت الأخيرة سيعري تقصيرنا و لن يرحمنا التاريخ أبدا.
Abdal Abdal


Comments are closed.