رأس السنة الآشورية الهوية و الانتماء
رأس السنة الآشورية
الهوية و الانتماء
فواد الكنجي
تاريخ الحضارة الأشورية تاريخ عريق لأمة عريقة، وقد انطلق فكر هذه الأمة بتاريخها من خلال تطور الأمة الأشورية عبر ألازمنه وتفاعلت مع الحوادث والظروف وعبر تجارب وأحداث حية لتنسج حولها تعبيرات متنوعة متجددة مع تجدد الزمن، فهي إبداع وخلق وتجدد دائم، وهذا ما كان يعطيها نشاط و قوة ويضمن استمرار حيويتها وتكاملها على ضوء تجاربها بين الماضي والحاضر لبناء مستقبلها ولتخلق للحياة معنى جديدا لحاضرها ولمستقبلها. فهي بهذا المفهوم والمعنى تخلق المستقبل وتخلق الماضي نفسه وعلى ضوء معطيات حاضرها، وهذا الفعل هو الذي بلور لدى الأشوريين (الفكر القومي الأشوري)، هذا الفكر الذي وحد كل عناصر الهوية القومية، من العرق و اللغة والأرض والتراث والعادات والتقاليد والقيم والعلوم والثقافة وكل ما هو مشترك يتقاسمها شعب واحد، والتي أسهمت في صنع هذه القومية والتي تداخلت فيها هذه المقومات لبناء التاريخ، وهذا التاريخ هو الذي جعل الإنسان الأشوري متصلا بجذوره وأصوله وأجداده بكون الإنسان الأشوري الحاضر هو امتداد لذلك التاريخ ولتلك الحضارة، الحضارة الأشورية العريقة.
فالأمة الأشورية، أمة لها فكر ولغة وتراث وفن وآثار و وجود، والأمة الحية هي الأمة التي تعتز بتراثها وآثارها وبعلومها وفنونها، باعتبار أن اللغة والفكر والتراث والآثار والعلوم والفنون بالمجمل يشكل جزءا أساسيا من هوية الأمة، تاريخا وحضارة، وهذه الهوية هي التي تكشف وتوثق أصالتها وعراقتها بتدوين التاريخ وتوثيقه كما فعلها أجدادنا الأشوريين قبل سبعة ألاف سنة وبكل وضوح وصدق، سواء عبر الألواح الطينية أو عبر تجسيم الإحداث بمئات الآلاف المنحوتات الفنية الراقية، مما تم اكتشافها -وبمثيلها وربما أكثر بكثير مما لم يكتشف عنها البعد – والتي ما زالت إلى يومنا هذا شاخصة إمام أنظارنا وأنظار العالم التي تتواجد في ارقي متاحف العالم لأبرز ما مر بالأمة الأشورية من أحداث، لتشكل خير وثيقة عهد والاتصال وهمزة وصل بين الأجيال السابقة والأجيال الحالية والأجيال القادمة لكي يتم الحفاظ على هوية الأمة، الأمة الأشورية، هذه الأمة التي تميزت عن غيرها من الأمم بالشواهد الحية التي تجعل من أبنائها يعتزون كل الاعتزاز ويفتخرون كل الافتخار متمسكين بجذورهم و بتاريخهم وبتراثهم وآثارهم وعلومهم وفنونهم والتي أرقى ما تتميز بها الأمة الأشورية.
ولما كان الفكر والعلم والفن والأدب والتراث الأشوري مكونات لكيان الحضارة والتراث الوطني الأشوري، فجل ذلك يمثل غير شاهد بما قدموه أجدادنا الأشوريين من إسهامات في تأسيس هذا الكيان الذي هو مصدر الاعتزاز والفخر الأشوريين بما يقدمه من التحضر والثقافة والتطور التي هي ركائز هوية الحضارة وعنوان لثقافة الأمة الأشورية في تاريخها وحاضرها، لذلك نجد هوية امتنا الأشورية هي على الدوام ملهمة لتراث الثقافي العالمي و لكل الأمم، بل نجدها مصدر للإبداع المعاصرين من الأدباء والفنانين والشعراء والمفكرين والفلاسفة يؤخذون من فنون وعلوم وتراث الأشوريين مصدرا موحيا لخلق إعمال تحاكي ما أنجزوه وما تركوه أجدادنا الأشوريين قبل سبعة ألاف سنة من إعمال فكرية وفنيه وانجازات رائعة والتي بمجملها تحولت اليوم إلى تراث عالمي والتي كحاصل تحصيل تربط حاضر الأمة الأشورية بماضيها الخالد لتأخذ الإبداعات الجديدة التي يبتكرها المبدعون المعاصرون مواقعها في خارطة التراث الثقافي العالمي والذي يحسب على رقي امتنا الأشورية ومدى ازدهار حضارتها وعلى كل مستويات الحياة الثقافية والعلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن هنا فان تراث الثقافي والأدبي والفني والعلمي الأشوري بكل معالمه وصروحه وأثاره تجاوزا تأثيره المادي، من الكتابات الجدارية والرقم الطينية وتماثيل الحجرية الضخمة وأواني وحلى وصروح معمارية ونقوش وغيرها إلى تأثير غير المادي فلكلوري من أغاني ورقص وملابس وقصص وأساطير وحرف توارثتها الأمة الأشورية عبر الأجيال لتعبير عن نبض و روح حياتها وثقافة الأمة وهويتها، هذه الهوية التي تتغذى بهذا التراث والذي يرتبط مقوماته في عقل ووعي الأمة الأشورية حضاريا وتاريخيا وسياسيا ودينيا على حد سواء، ومن هنا فان تعلق الإنسان الأشوري في كل مراحل التاريخ يأتي بما اختزنه من ذلك الماضي ومن تراثه، ثقافة وفكرا علميا وفلسفة وأدبا وفنا، والتي هي بمجملها تمثل هوية القومية للأمة لارتباطها الشديد بالوعي الغريزي للفرد، لان الفهم السياسي لمفهوم (القومية) يرتبط بالمفهوم (الأمة)، من حيث الانتماء، وهنا نحن نحدد ما يخص تحديدا (الأمة الأشورية)، فالقومية باعتبارها إدراك وإحساس وشعور بالانتماء إلى كل ما هو مشترك في التراث والى كل ما هو متضامن بين مجمل مكونات الأمة من أجل تحقيق وحدتها- والتراث المشترك هنا يشمل اللغة والثقافة والدين والاعتقاد بالأصل الواحد – لتأتي القومية بفهمها إيديولوجي قوامه الشعور بان أبناء الأمة لهم كيانهم الذاتي وتطلعات بحقهم في تقرير المصير وتنظيم كيانهم القومي تنظيما اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا مما يحقق لهم تكوين شخصيتهم القومية المستقلة.
ومن هنا يأتي اعتزاز الفرد الأشوري بهوية الأمة وتراثها باعتبار هذا التراث هو الجذر الذي يؤرخ أمجاد الأمة ويغذي حاضرها، ليأتي تقيمه بهذا المعنى، اتخاذ كل ما يلزم لحماية هذا التراث ونقل معانيه إلى المجتمع الأشوري ليضمن نهضة الأمة، نهضة وعلى كل المستويات مرفقة بأهمية مكونات التراث الأشوري باعتباره حيا حاضرا يحفزهم ثقة وعزما لمواجه المستقبل.
ولما كان التراث يمثل باعتباره محاورة الفرد مع الطبيعة عبر تراكم الخبرة بنقل تجاربه من الماضي إلى حاضره ليتوجه نحو المستقبل، فبقدر كونه يمثل ذاكرة الفرد والمجتمع، فانه كحاصل تحصيل يمثل هويته التي بها يتعرف الناس على هذا الشعب، لان عبر تراكم التراث، وبشتى قيمه الاجتماعية والثقافية والعلمية يكون مصدرا ثقافيا و تربويا وفنيا وعلميا، وبتراكم المعلومات تكون وجه الحضارة والتي كحاصل تحصيل لهذه الجدلية المنطقية تتكون ذاكرة الأمة .
وما الاحتفال بعيد (الاكيتو) عيد رأس السنة الأشورية إلا جزء من هذه (الذاكرة) ومن قلب التراث الأشوري القديم ليكون الاحتفال بهذا اليوم في الأول من نيسان كل عام إرثا قوميا و وطنيا، حافظ الأشوريين على إحياءه منذ أكثر من سبعة ألاف سنة والى يومنا هذا، رغم إن الاحتفال بطقوسه اتخذ عبر مراحل الزمن أشكالا متنوعة و متجددة تتناسب مع تطورات وتغيرات العصر، ولكن ضلوا محافظين على إحياءه عبر الأجيال ليتخذ منه الأشوريين باعتباره عيدا قوميا ووطنيا للأمة الأشورية المتشتتين اليوم في كل أنحاء المعمورة، ولتصاعد الوعي القومي لأشوريين أينما وجدوا أصبح الاحتفال بالعيد رأس السنة الأشورية (اكيتوا) التزاما قوميا لتأكيد على هوية الأمة، والتي هي ضمنا، ما هي إلا صلة اجتماعية عاطفية تنشا من خلال فهم الاشتراك في الأهداف والمصير، وبكون إفراد الشعب الأشوري يرتبطون بعضهم بالبعض بوحدة الأصل والتاريخ والأرض و اللغة و العادات من جراء الاشتراك في مصير مشترك والتي بمجمل هذه الصفات والخصائص والمميزات الفت ما بين الأشوريين وكونت منهم (أمة) في وحدة اللغة والثقافة والتاريخ و الآلام والنضال، وبذلك توضع مصالح القومية فوق مصالح أين كان نوعها، ومن هنا فان الفكر القومي يحيا عبر التزام بتنفيذ والعمل والمراجعة انطلاقا بالعودة إلى رموز الفكر القومي واستخلاص ما هو مفيد لوحدة الأمة وجمعها بما يضمن كل ما من شانه يعزز تقدمها وازدهارها وعلى جميع الأصعدة .
وما رمز الاحتفال ببداية العام الأشوري الجديد في الأول من نيسان إلا امتدادا لهذا التفكير ومن اجل المحافظة على التراث والتاريخ، رموزه ودلالاته، لنقترب من جذورنا الأشورية العريقة والضاربة في عمق التاريخ أكثر وأكثر، لذا فان عيد رأس السنة الأشورية (الاكيتو)، يمثل رمز من رموز وجودنا القومي، ولهذا فان مكامن أهمية الاحتفاء ببداية العام الأشوري انطلاقا من الموروث المتناهي في القدم والذي يأتي منسجما مع معاني الحياة والتجدد في الطبيعة التي كانت متميزة في بلاد مابين النهرين كونها طبيعة زراعية غنية بمحاصيلها وثروتها الحيوانية، وشعبها يعتمد أساسا على الزراعة ولان وحسب معرفتهم في حركة النجوم والأقمار ودوران الأرض فقد وجدوا عبر تراكم خبراتهم ومراقبة كل ما يدور حولهم من مظاهر الطبيعة بان في( الأول من نيسان ) هو اليوم الذي يتعادل النهار مع الليل، فيعود الطقس باعتدال الموسم في الربيع ونمو العشب والزرع وتتكاثر الحيوانات والطيور الداجنة كرمز لبدأ الخليقة في شهر نيسان، ومن هنا فان احتفالنا بهذا اليوم لها الكثير من الرموز والمدلولات التاريخية والتراثية وقيم العقائدية السامية، فبعد إن قاموا بتسجيل كل الظواهر الطبيعية التي كانوا يلاحظونها ويراقبونها ويسجون ملاحظاتهم في أوقات حدوثها فتكونت لديهم مخزون من معلومات استطاعوا فيما بعد إن ينظمونها في علوم حسابية دقيقة، وعلى ضوء ذلك حددوا مواسم لبدا الزراعة بعد إن قسموا أيام السنة إلى فصول وشهور وأيام وحتى الساعات – والتي اليوم يعتمد علم الفلك على هذا التقسيم – فكان الأشوريون هم السباقين في تسمية الشهور وما زالت كثير من تلك الأسماء متداولة إلى يومنا هذا في تسمية الشهور في اللغات الشرقية كشهر (نيسان) الذي كان الأشوريون يطلقون عليه اسم (نيسان) وشهر (تموز) كان الأشوريون يسمونه تيمنا باله (تموز)، وهكذا دواليك ليتم تحديد الأول من نيسان بداية لرأس السنة الأشورية وبداية الخليقة التي يرتبط هذا التحديد ببدء موسم اعتدال الربيع ونمو العشب والزرع وتكاثر الحيوانات، فاتخذوا من هذا اليوم رمزا قوميا يحتفلون به باعتباره عيداً قوميا ودينيا يجمع كل إفراد ألساكنين تحت سلطة ملوك أشور في بيت النهرين للاحتفال بهذا اليوم وكان يستمر الاحتفال اثني عشر يوما يبدأ من 21 آذار وينتهي في الأول من نيسان وفق طقوس معينه لكل يوم طقسه الخاص، وكان الملك الأشوري هو الذي يعلن بدا الاحتفال إمام الشعب، وقد تأثر اغلب شعوب الشرقية بهذه الاحتفالات وخاصة بعد إن تمددت الدولة الأشورية لتشمل إمبراطوريتها نحو الاتجاهات المحيطة بمركز حكمهم في بلاد أشور (بلاد الرافدين)، في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وعلى ضوء ذلك سموا ملوك أشور (ملوك الجهات الأربع)، وهكذا كان تأثير الاحتفال بطقوس بداية الربيع والسنة الأشورية لدى شعوب المنطقة والأقوام الأخرى المتعايشة فيها شديد التأثير، لأنهم كانوا أيضا يشاركون في احتفالات مع أبناء الشعب الأشوري، وهكذا ضلوا محتفظين في ذاكرتهم التراثية بشعائر هذا اليوم، فاتخذوا منه رمزا دينيا وقوميا أيضا وتيمنا بما كان الأشوريين يمارسون من طقوس ويحتفلون بقدومه كل عام وفي كل مدن التي كانت تقع تحت حكم الإمبراطورية الأشورية و تحت مسميات أخرى.
ففي اليوم الأول يقوم الملك بالتجوال حول معبد الذي يتواجد فيه تمثال (الإله أشور) فيدخل ويغطيه بـ(قش الشعير والحنطة) للتعبير عن شكره لما جناه شعبه من خيرات المحاصيل الزراية وإثمارها الوفيرة.
وفي اليوم الثاني والثالث تجري طقوس لتمجيد الإله المقدس (أشور) بإشراف كاهن الهيكل، حيث يدخل المعبد ومن حوله حشود من الشعب الذي يسجد باتجاه الإله الذي يتواجد هيكله في الجهة المقابلة لشروق الشمس، بحسب اعتقادهم بان الشمس هي مركز الكون ومصدر الحياة على الأرض – والقبلة باتجاه شروق الشمس اتخذتها كنيسة المشرق الأشورية اتجاها لقبلتها لممارسة طقوسها إثناء الصلات إلى يومنا هذا – بينما الكاهن يصلي بصوت مرتفع وهو يدور حول الهيكل مرددا صلوات خاصة بينما الرعية تصغي إليه وتطلب مزيدا من البركات من اله (أشور)، وهذه الصورة ما زالت ماثلة بـ(الشكل) في طقوس الكنائس الشرقية، وأكثر من ذلك فإننا في كثر من تماثيل ومنحوتات الأشورية المكتشفة نجد في كم منها رسومات لعلامة الصليب – ورسم الصليب في (الشكل) اليوم يتخذه المؤمنين بالمسيحية رمزا أو علامة للمسيحية – ولكن لم يتم تحليل وتفسير هذا الرمز في المنحوتات الأشورية بشكل متعمق رغم إن يقننا بان المؤرخ الأشوري القديم قد يكون تطرق عليه ودون معلوماته على الرقم الطينية كما كان الحال في توثيق كل ما يدور حولهم وما كانوا يؤمنون به آنذاك، فيا ترى هل وجود علامة او الرمز (الصليب) في الآثار الأشورية له علاقة بإحداث (صلب المسيح وقيامته ….؟).
في وقت الذي لو قمنا بمقارنة عبر ملاحظات بسيطة بان موت المسيح و قيامته وتزامنه مع بداية أو (ولادة) الرأس السنة الأشورية التي هي كما قلنا بأنها تخليد لتجدد الحياة، كما تجدد الحياة بقيامة المسيح فهل هي محض مصادفة أم ماذا….؟
وهل الفكر الفلسفي الأشوري بمفهوم الموت والحياة وتجدد الحياة هو ذاته في الفكر المسيحي بموت وقيامة المسيح….؟ ربما في المستقبل وبما يتم اكتشافه من الألواح الطينية وتعمق الباحثين في الدراسة علم (الميثولوجي) و(الأنثروبولوجي) سيتمكنون من اكتشاف وتحليل كما فعل المفكر(فريدريك ديلليتش) حين تمكن فك رموز وقرأت سبع من الرقم الطينية مسلطا عليها الضوء بما أثار اكتشافه وتحليله ردود فعل واسعة في الأوساط الفكرية العالمية وخاصة اليهودية، حينما أوضح في محاضرة ألقاها في برلين عام 1902 وبحضور(القيصر فيلهيلم الثاني) بان جل قصص الموجودة في (التوراة)، الكتاب المقدس عند اليهود، مأخوذة من (بلاد أشور) حسب نصوص التي تم اطلاع عليها والتي وجدت مكتوبة على الرقم الطينية بما سبق ظهور الديانة اليهودية بما يقارب أكثر من أربعة ألاف سنة، وهذا ما اثأر حفيظة اليهود المتشدد آنذاك مما جندوا الكثير من علماء الآثار لبحث عن الرقم الأشورية من اجل تدميرها وتشويها لكي لا يكتشف بما لا يسرهم، ونحن نعلم حجم العداء الذي يقمنه اليهود ضد الأشوريين تاريخا لان الأشوريين هم من سبوا اليهود ولأكثر من مره وجلبوهم إلى بلاد الرافدين، وان إقامتهم في الدولة الأشورية لزمن ليس بالقصير لابد من ذلك إن يترك أثرا في سلوكياتهم ومعرفتهم وعلومهم متأثرين بهذا الشكل أو ذاك بعادات وتقاليد وعلوم ومعرفة الأشوريين فاخذوا منهم وتعلموا. وما حدث في مدينة (نينوى) حينما احتلها الإرهابيون لدولة الإسلام (داعشية) في عام 2014، وبكل إعمالهم الوحشية المغزية وبما ارتبكوا من جرائم لم يسلم منهم لا البشر ولا الحجر، فكانت أبشع جرائمهم تهجير الأشوريين سكان الأصليين لمدينة نينوى والعبث وتخريب وتدمير معالم المدينة وقيامهم بتدمير الآثار في أهم مواقع الآثار في مدينة (نمرود) إحدى أهم عواصم الإمبراطورية الآشورية القديم، وكذلك مدينة (الحضر) الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني قبل الميلاد، هذا من جهة ومن جهة أخرى قيامهم بالتنقيب والبحث عن الآثار وتهريبها كما حدث تحت ضريح (نبي يونس) كما يسميه المسلمين، بينما يسميه المسيحيين (نبي يونان) ويقع الضريح على قمة تل (النبي يونس) شرقي الموصل، وهذا التل يعد واحدا من التلين اللذين يمثلان جزءا من مدينة نينوى الأثرية والتي يعود تاريخها لعصر الإمبراطورية الآشورية، وهناك قام الإرهابيون الدواعش بحفر إنفاق تحت الضريح للبحث عن الآثار الأشورية فتم اكتشاف كنوز لا تقدر بالثمن عن اثأر الأشورية حيث اكتشف قصر الملك الأشوري (سنحاريب)، وهو القصر الذي أجرى الملك (آسرحدون) للفترة من 681 إلى 669 قبل الميلاد عمليات تجديد وتوسيعٍ للقصر، وبعد ذلك أعاد الملك (آشوربانيبال) للفترة من 669 إلى 627 قبل الميلاد تجديده مرة أُخرى، وتعرض القصر لتدميرٍ جزئي أثناء سقوط مدينة نينوى في عام 612 قبل الميلاد، وقد قام الإرهابيون من أفراد تنظيم داعش بنهب مئات القطع الأثرية قبل أن تستعيد القوات العراقية زمام السيطرة على الجانب الشرقي من المدينة، ومما تركه الإرهابيون (الدواعش) بعد إن لم يتمكنوا من تهريبه، نقوشا وألواح طينية وحجرية عديدة تعود إلى عصر الإمبراطورية الآشورية في عام 672 قبل الميلاد، وهنا نسال كيف عرف هؤلاء الإرهابيون بوجود مكان قصر الملك الأشوري في وقت الذي عجزت عنه فرق البحث والتنقيب عن الآثار من اكتشاف هذا الموقع من قبل، ما لم تكن جهات يهودية صهيونية-أمريكية تقف خلف عملية تنقيب وتهريب ما تم اكتشافه، ولغاية التي ذكرناها هنا….!
في وقت الذي ما يؤكده علماء الآثار بان اثأر الحضارة الأشورية ما هو مكتشف منها، والى يومنا هذا، لا يمثل إلا جزءا بسيطا منها لان هناك الكثير من هذه الآثار و الرقم والألواح الطينية ما زالت غير مكتشفه ومخمورة في أعماق تربة أراضي العراقية، لإهمال حكومي مقصود سياسيا من قبل الدولة وأنظمتها المتعاقبة أو بفعل من جهات خارجية، وعدم مبالاة بهذا الإرث الحضاري لدولة ولتاريخ القديم لحضارة وادي الرافدين (العراق الحالي) الذي لا يقدر بثمن، والغريب في الأمر بان ما هو موجود من اثأر الأشوريين، اثأر العراق وتاريخه القديم، جله موجود في خارج الدولة العراقية، وهو أكثر بكثير مما هو موجود في متاحف الدولة العراقية في الداخل، فما هو مكتشف من هذه الألواح وجدت منها في مكتبة الملك الأشوري العظيم (أشور بنيبال)، بعد اكتشاف الموقع أو في مواقع متفرقة هنا وهناك وجاء اكتشافها اغلبها عن طريق صدفة ولم تتم عبر دراسة وتحليل أكاديمي وعلمي متعمق إلا ما ندر .
وفي اليوم الرابع وبحضور الملك والشعب يقوم الكاهن الأعلى بقراءة سفر الخليقة للملك والشعب، والتي كانت تدور حول الإله مردوخ ( أشور في نينوى ) إله الحق والخير الذي يقسم (تيامات ) آلهة الشر في صراع بطولي وملحمي إلى نصفيين ليخلق منهما السماء والأرض وثم الإنسان وتبدأ الحياة والطبيعة على الأرض، بينما تقوم مجموعة من الكهنة بتقديم تفاصيل قصة الخليقة مجسديها بتمثيل خاص إمام الجميع وبعدها يعلن الكاهن ببدء السنة الجديدة.
وفي اليوم الخامس يبدأ الشعب بتقديم القرابين من الذبائح للإله وتقديس الهيكل وبعدها يتم الصلات من اجل تقديس ماء نهر (دجلة) ليمدهم بالعطاء بكونه مصدرا أساسيا لديمومة الحياة عندهم .
إما اليوم السادس فان طقوسه تتركز على قيام الملك بالصلاة و بطلب الغفران من للإله المقدس ومن اجل إعطاءه القوة والحكمة لحكم مملكته بالعدل، وبعدها ويؤدي يميني القسم لحماية مملكته وشعبه من الأعداء.
إما في اليوم السابع ينزل الملك من عرشه ويعلن للناس بأن الإله قد هاجر وصعد للسماء، وهو إجراء كان يراد منه المقارنة بين الاستقرار وسلطة الأمن في المملكة وبين غياب السلطة واستشراء الفوضى التي تتأثر على حياة الشعب ومن اجل معرفتهم دور الملك في استقرار أمنهم.
وفي اليوم الثامن يعود الإله إلى الأرض ليصعد الملك إلى عرشه في المساء ويعود الأمن والنظام للمملكة مرة أخرى.
إما التاسع والعاشر والحادي عشر فكانت طقوس الاحتفال في هذه الأيام تتعلق بالزواج المقدس وأهمية الخصوبة والإنجاب في الزيادة والوفرة.
إما في اليوم الثاني عشر الأخير فكانت طقوس الاحتفال خاصة بإعطاء البركة للملك والشعب من قبل الإله وتوديع الضيوف والمشاركين والمتفرجين حيث كان الاحتفالات يتخلله تقديم عروض من الرقص والغناء.
فهذه الاحتفالات من حيث فهمها (الميثولوجي) جرى عليها تغيرات عبر ألازمنه التي تلت سقوط الدولة الأشورية في 612 قبل الميلاد وبما عانوه من احتلال أراضيهم ومن الاضطهاد والقمع واحتكاك الأشوريين بالمحيط وتأثرهم بالفكر النهضة والتطور، ولكن ضل الأشوريين يحاكون هذا الاحتفال بهذا الشكل وذاك من خلال احتفاظهم برموز بسيطة للاحتفال بهذا العيد وإحياءه، لان الوعي القومي رغم كل التغيرات والإحداث التي صعقت بالأمة الأشورية ظلوا متمسكين بإرثهم التاريخي ليحتفلوا بقدومه وفق ظروفهم، فهم يستقبلون هذا اليوم بفرح كبير معبرين عنه اليوم بوضع باقة من( العشب الأخضر) فوق مداخل أبواب البيوت ويسمونه الأشوريون بذقن(لحية) نيسان، وهو رمز لطلب الخير والمحبة والسلام للأشوريين ولكل أبناء البشر وكمؤشر لبدا الربيع والسنة الأشورية الجديدة، فيقيمون احتفالات ومسيرات وكرنفالات بهجة وفرح في ساحات مفتوحة في أحضان الربيع ويوزعون الحلوى فيما بينهم مهنئين بعضهم البعض بحلول العام الأشوري الجديد والذي يحل في الأول من نيسان، وبذلك يكونوا الأشوريون في كل بقاع المعمورة في الأول من نيسان من هذا العام يطوون عامهم الأشوري ( 6767 ) ليدخلوا إلى العام الأشوري الجديد (6768) أشوري.
ويأتي تحديد هذا التاريخ لسنة الأشورية مدخلا للهوية الأشورية والانتماء القومي، الذي هو بالمنظور المطلق للأشوريين أينما وجدوا من أولوياتهم بكونه يمثل الارتباط الأشوري بالأرض، ارض الإباء والأجداد في بيت نهرين عبر ترسيخ مفهوم الهوية وتأصيلها في وعي أبناء الأمة لمعرفة جذورهم وانتمائهم القومي، فجاء تحديد هذا التاريخ لسنة الأشورية انطلاقا حين تم وعبر التنقيب والمكتشفات الآثار في منطقة (جرمو) قرب مدينة (كركوك) والتي قامت بها بعثة اثأر أمريكية من جامعة (شيكاغو) حينما اكتشفوا في عام 1948 أثار لمستوطنة زراعية، وحسب الاختبارات التي أجريت على طبقات الأرض بواسطة (الكربون الإشعاعي) وجدوا بأن عهدها يعود إلى 8830 سنة وفي اختبار أخر إلى 11240 سنة، وهناك وجدوا علماء الآثار مكتشفات كتب على بعض الآثار المكتشفة أسماء لـ(سبعة عشر ملكا حكموا في جرمو) في فترات متأخرة، وكان (الخامس عشر) بينهم هو الملك (اشبويا) الذي بني من الحجارة والطين بيتاً للإله (أشور) وسماه (هيكل الإله أشور) وكتب بالخط المسماري يقول: ((بنيت البيت للإله أشور…)) وقد أوصى الملك (اشبويا) الحكام الملوك الذين يأتون من بعده بهدم البيت ويعيدون بناءه من جديد كل 250 سنة لكي يشعر الإله ( أشور) انه بعد كل هذه الحقبة يعيش في بيت جديد، وفي اكتشافات منفصلة فقد أشارت الكتابات التي دونت على احد الألواح الطينية التي تعود إلى( القرن التاسع قبل الميلاد ) بان احد الملوك الأشوريين أعاد بناء هيكل الإله (أشور) للمرة (الثانية والعشرين) حسب توصية الملك (اشبويا) ومن خلال هذا الرقيم الطيني تم إيجاد الفترة التي حكم فيها الملك (اشبويا) وهي( 4700 سنة ق. م )، وقد أكدت هذه التواريخ الاختبارات التي أجريت بواسطة (الكربون ألشعاعي) والتي طابقت الأرقام المعتمدة من الألواح الطينية، فاعتمدت سنة( 4750 ) تأريخا لبناء هيكل الإله (أشور) وبداية التقويم البابلي الأشوري، وبناءا على هذا التاريخ يكون تزامن هذه السنة الميلادية(( 2018 )) الحالية ما يقابل دخول السنة الأشورية في الأول من نيسان عامها ((6768)) الأشورية .
وبذلك يؤرخ الأشوريون تاريخهم من خلال الفهم (الأنثروبولوجي) الذي يرتبط بحوثه في مجالات التاريخ والأدب والعلم الطبيعي وعلم الاجتماع لدراسة الإنسان وطريقة التي يتنبأ بمستقبله، ومن خلال علم (الأنثروبولوجيا) نتعمق فيما تم تدوينه في الرقم الطينية أو من خلال ما كتب على المنحوتات الحجرية بأنها وثائق في بناء معلومات التاريخ بكونها مستودع لخزين الذي ينطلق منه أولى أدوات البحث في التاريخ وبناء النص التاريخي والذي في مجمله يكون عنصر من أهم عناصر الثقافة القومية للأمة الأشورية، لان (الأنثروبولوجيا) كفهم يرتبط بحثه في مجال العلوم الإنسانية و العلوم الطبيعية باعتباره (من أشد العلوم الإنسانية طبيعة علمية، وأشد العلوم الطبيعية إنسانية)، لأنه علم يسلط الضوء على قضايا كان المؤرخ التقليدي لا يعير الاهتمام بطبيعة مواضيع العلاقات العائلية والاجتماعية للأسرة والقرابة و المحرمات و القانون و الأمن والعادات و التغذية و اللباس و الطقوس والشعائر الدينية والاحتفالية إلى أخره، غير إن البحث (الأنثروبولوجيا) توجه باهتمامه بكل ما يحيط بالإنسان ويمارسه ويفهمه لذلك اهتم بدراسة التاريخ والأدب وعلم الطبيعي وعلم الاجتماع بهدف دارسة الإنسان وطريقة تنبؤه بمستقبله، لذلك يكون الفهم لنص التاريخي من خلال الطرح (الأنثروبولوجيا) توضيحا لحقيقة واقع وحضارة الأمة الأشورية ووجودها وكعنصر من عناصر الذي يغذي الثقافة القومي والهوية للأمة الأشورية، لان الشعور القومي والانتماء إلى الأشورية هو الذي يستمد منه الإنسان الأشوري أحساسة بالانتماء والهوية، وهو الإحساس الذي يشعره بأنه ليس كائن مجهول الهوية ونكره، بل يعيش بإحساس الشراكة مع عدد من إفراد يرتبط بعضهم بالبعض بمعطيات مشتركة في وحدة المصير والهداف، وبقدر نضوج وتطور الوعي بمفهوم القومية الأشورية بقدر ما تعزز لديه شعورا بالانتماء إلى امة الأشورية، وفي حالة وجود خلل في هذا الشعور ولأسباب داخلية وخارجية يولد لدى هذا الإنسان بما نسميه بأزمة الهوية، كما ولدت عند بعض أبناء امتنا الأشورية وضلوا الطريق نتيجة أزمة الوعي والتي إن استمرت هذه الشريحة بالذات بتماديها على أصولهم الأشورية ستؤدي بهم الحال إلى ضياع هويتهم وليس هوية الأمة الأشورية لان هناك الملايين من يحمل الهوية الأشورية وهم معتزون بها ويعملون كل ما في وسعهم لرفع شانها بين الأمم، لان تاريخها وما هو مؤرخ وموثق في كتب ودراسات تعد بملاين الكتب والمجلدات والوثائق موجودة في أرقى مكتبات العالم وجامعاتها وان أثارهم الخالدة موجودة أيضا في أرقى متاحف العالم، لان تاريخ الأشوريين وحضارتهم هو في العمق لا يمكن مسح ذلك بشحطة قلم من قبل مزوري التاريخ، فالهوية في بنية الشعب الواحد أو الأمة الواحدة يعود إلى التاريخ، لان من التاريخ نستمد التربية والأخلاق والمعرفة بكونه مصدر لشحذ لأفكار والاستدلال والهمم، وهي من أهم عوامل تقوية وتوحيد وتفعيل مقدرات الأمة في أي حراك أكان سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو علميا لاستكمال بناء مؤوسساتها من اجل وحدتها ونهضتها .